العاشر من ذي الحجة ،في صباح جميل تسمع هتافات المساجد .ازيزها كأزيز النحل تصح بصوت واضح
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله اكبر الله أكبر ولله الحمد
هذا العيد هو تذكر لمناسبة تاريخية حدثت مع نبيين جليلين هما إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام
وذلك انه لما بلغ إسماعيل مرحلة السعي أَيْ كَبِرَ وَتَرَعْرَعَ وَصَارَ يَذْهَب مَعَ أَبِيهِ وَيَمْشِي مَعَهُ ، وعلى هذا فإن إسماعيل في سن بداية الشباب ثلاثة عشر عاما تقريبا ، ووالده قد قاربا المائة عام ، ومن المعلوم أن الوالد حينما يكبر في السن يزداد ضعفه ، ويبدأ في الاعتماد على ولده بصورة كبيرة .
“فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ” الصافات 102
لقد ابتُلِىَإبراهيم في شبابه حين أُلْقى في النار،فقال “حسبنا الله ونعم الوكيل ” ، أما هذه المرة فالابتلاء يأتيه وهو شيخ كبير، وقد جاءه الولد على كِبَر، فهو أحبُّ إليه من نفسه وهاهو يُؤمَر بقتله.
ونلاحظ شدة البلاء حينما يأمر الله تعالى أن يتولى إبراهيم بنفسه الذبح ، لم يخبره الله أنه سيموت فيهون الأمر، ولا يطلب منه أن يرسل بابنه الوحيد إلى معركة، ولا يطلب منه أن يكلفه أمراً تنتهي به حياته.. إنما يطلب إليه أن يتولى هو بيده….. يتولى ماذا؟
يتولى ذبحه.. وهو ـ مع هذا ـ يتلقى الأمر هذا التلقي، ويعرض على ابنه هذا العرض؛ ويطلب إليه أن يتروى في أمره، وأن يرى فيه رأيه!
ونلاحظ أن إسماعيل كان هو الوحيد في هذا الوقت ليس له إخوة آخرين ، لو تخيل أحدنا هذا الأمر ماذا لو أمرك الله بذبح ولدك وحيدك ؟ هل تقوى على ذلك ؟ والله إنه لبلاء لا يطيقه إلا الأنبياء .
وقوله :( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَام)عبّر بالمضارع، والرؤيا قد انتهت، فلم يقل : إني رأيت ، كأنّ إبراهيم عليه السلام يشاهد الرؤيا وقت كلامه مع ابنه، فهو يستحضر ذلك وهو يخاطبه، وهذا أهون في التزام الأمر.
يا الله! يا لروعة الإيمان والطاعة والتسليم.
يا الله! يا لروعة الإيمان والطاعة والتسليم.
هذا إبراهيم الشيخ الذي قارب المائة عام ، المقطوع من الأهل والقرابة، المهاجر من الأرض والوطن، ها هو ذا يرزق في كبره بغلام، طالما تطلع إليه مشتاقا فلما رزق به ما كاد يأنس به، ويبلغ معه السعي، ويرافقه في الحياة.. ، حتى يرى في منامه أنه يذبحه!!!
فلم يتردد، ولم يخالجه إلا شعور الطاعة، والتسليم.. إنه لا يلبي في انزعاج، ولا يستسلم في جزع، ولا يطيع في اضطراب.. كلا إنما هو القبول والرضا والطمأنينة والهدوء.
يبدو ذلك في كلماته لابنه وهو يعرض عليه الأمر الهائل في هدوء وفي اطمئنان عجيب:{ قال: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك. فانظر ماذا ترى }الصافات 102
لماذا أخبر إبراهيم ولده بالأمر ؟
إن إبراهيم لم يأخذ ابنه على غرة ( فجأة) لينفذ أمر ربه، وينتهي؛ إنما يعرض الأمر عليه كالذي يعرض المألوف من الأمر؛ فالأمر في حسه هكذا….. ربه يريد !! فليكن ما يريد !!!
وابنه ينبغي أن يعرف، وأن يأخذ الأمر طاعة وإستسلاماً، لا قهراً واضطراراً، لينال هو الآخر أجر الطاعة، وليسلم هو الآخر ويتذوق حلاوة التسليم!
إنه يحب لابنه أن يتذوق لذة التطوع التي ذاقها؛ وأن ينال الخير الذي يراه هو أبقى من الحياة وأقنى.
أَعْلَمَ اِبْنه بِذَلِكَ لِيَكُونَ أَهْوَن عَلَيْهِ وَلِيَخْتَبِرَ صَبْره وَجَلَده وَعَزْمَهُ فِي صِغَره عَلَى طَاعَة اللَّه تَعَالَى، وبره بوالده ” قَالَ يَا أَبَتِ اِفْعَلْ مَا تُؤْمَر ” أَيْ اِمْضِ لِمَا أَمَرَك اللَّه مِنْ ذَبْحِي
أَعْلَمَ اِبْنه بِذَلِكَ لِيَكُونَ أَهْوَن عَلَيْهِ وَلِيَخْتَبِرَ صَبْره وَجَلَده وَعَزْمَهُ فِي صِغَره عَلَى طَاعَة اللَّه تَعَالَى، وبره بوالده ” قَالَ يَا أَبَتِ اِفْعَلْ مَا تُؤْمَر ” أَيْ اِمْضِ لِمَا أَمَرَك اللَّه مِنْ ذَبْحِي
” سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّه مِنْ الصَّابِرِينَ “أَيْ سَأَصْبِرُ وَأَحْتَسِب ذَلِكَ عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .
إنه يتلقى الأمر لا في طاعة واستسلام فحسب، ولكن في رضى ويقين.. ولم يقُلْ: افعل ما تريد؛ لأن طاعته لأبيه هنا من باطن طاعته لله تعالى وامتثاله لأمر ربه، فهو يدرك تماماً أن أباه مُتلَقٍّ الأمر من الله، وإنْ جاء هذا الأمر في شكل رؤيا، إذن: هو يعلم رغم صِغَره أن رؤيا الأنبياء وَحْىٌ حَقٌّ.
إنه يتلقى الأمر لا في طاعة واستسلام فحسب، ولكن في رضى ويقين.. ولم يقُلْ: افعل ما تريد؛ لأن طاعته لأبيه هنا من باطن طاعته لله تعالى وامتثاله لأمر ربه، فهو يدرك تماماً أن أباه مُتلَقٍّ الأمر من الله، وإنْ جاء هذا الأمر في شكل رؤيا، إذن: هو يعلم رغم صِغَره أن رؤيا الأنبياء وَحْىٌ حَقٌّ.
وسيدنا إبراهيم ينادى ولده {يٰا بُنَيَّ }هكذا بالتصغير، لأن بُنى تصغير ابن فلم يقل يا ابني، فقد أوثقه الحنان الأبوي، وعرض عليه هذا الابتلاء، وهو مشحون بعاطفة الحب لولده والشفقة عليه، لأنه ما يزال صغيراً ، ويجيب الابن { يا أبت } وأصلها يا أبي والتاء أضيفت عوضا عن ياء المتكلم وهي تشير في دلالتها القوية بالاحترام والتقدير من الابن تجاه أبيه .
(يا أبت )هكذا في مودة وقربى، فشبح الذبح لا يزعجه ولا يفزعه ولا يفقده رشده ، بل لا يفقده أدبه ومودته
قال تعالى ” فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ ” الصافات 110:103
{ فلما أسلما وتله للجبين }يعنى: ألقاه على وجهه، حتى لا يرى أبوه وجهه ساعةَ يذبحه، فتأخذه الشفقة به، فلا يذبح، وكأن الولد يُعين والده ويساعده على إتمام الأمر، وهكذا الاستسلام واضحاً، فالولد مُلقىً على الأرض، والوالد في يده السكين، يحاول بالفعل ذَبْح ولده، وأىّ ولد؟ ولده الوحيد الذى رُزِق به على كِبَر.
إن الرجل يمضي فيكب ابنه على جبينه استعداداً. وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعاً، وقد وصل الأمر إلى أن يكون عياناً.
إن الرجل يمضي فيكب ابنه على جبينه استعداداً. وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعاً، وقد وصل الأمر إلى أن يكون عياناً.
أرأيتم قلبا أبويا…………….يتقبل أمرا يأباه
|
أرأيتم ابنا يتلقى …………….أمرا بالذبح و يرضاه
|
ويجيب الابن بلا فزع ………………إفعل ماتؤمر أبتاه
|
لن أعصي لإلهي أمرا…………….من يعصي يوما مولاه
|
واستل الوالد سكينا ……………..واستسلم ابن لرداه
|
ألقاه برفق لجبينٍ…………….كي لا تتلقى عيناه
|
وتهز الكون ضراعات……………..ودعاء يقبله الله
|
تتوسل للرب الأعلى………………أرض وسماء ومياه
|
ويجيب الحق ورحمته ……………سبقت في فضل عطاياه
|
صدقت الرؤيا لا تحزن……………. يا إبراهيم فديناه
|
لقد أسلما.. فهذا هو الإسلام، هذا هو الإسلام في حقيقته، ثقة وطاعة وطمأنينة ورضى وتسليم.. وتنفيذ.. وكلاهما لا يجد في نفسه إلا هذه المشاعر التي لا يصنعها غير الإيمان العظيم.وهنا كان إبراهيم وإسماعيل كانا قد حققا الأمر والتكليف، ولم يكن باقياً إلا أن يذبح إسماعيل، ويسيل دمه، وتزهق روحه.. وهذا أمر لا يعني شيئاً في ميزان الله، كان الابتلاء قد تم، والامتحان قد وقع، وغاياته قد تحققت، ولم يعد إلا الألم البدني، والله لا يريد أن يعذب عباده بالابتلاء. ولا يريد دماءهم وأجسادهم في شيء.
وعرف الله من إبراهيم وإسماعيل صدقهما، فاعتبرهما قد أديا وحققا وصدقا، فلما وصل إبراهيم وولده إلى هذه الدرجة من الاستسلام لله، ناداه الله { وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ } الصافات: 104-106
وعرف الله من إبراهيم وإسماعيل صدقهما، فاعتبرهما قد أديا وحققا وصدقا، فلما وصل إبراهيم وولده إلى هذه الدرجة من الاستسلام لله، ناداه الله { وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ } الصافات: 104-106
يعنى: ارفع يدك يا إبراهيم عن ذبح ولدك الوحيد، فما كان الأمرُ إلا بلاءً مبيناً، أى: واضح قاسٍ عليك أنت وولدك، وهو مبين لأنه يُبين قوة عقيدة إبراهيم – عليه السلام – فى تلقِّى الأمر من الله، وإنْ كان صعباً وقاسياً، ثم الانصياع له والطاعة، وكذلك كان البلاء فى حَقِّ ولده الذى خضع وامتثل.
قوله تعالى: “إنّ هذا لهو البلاء المبين”، فيه دلالة على أنّ الأنبياء أشدّ الناس بلاء، ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم”أشدّ الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتدّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة”
قوله تعالى: “إنّ هذا لهو البلاء المبين”، فيه دلالة على أنّ الأنبياء أشدّ الناس بلاء، ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم”أشدّ الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتدّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة”
وجاء الفداء:{ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ }الصافات: 107 ذبح بمعنى مذبوح، وهو الكبش الذي أنزله الله، فِداءً لإسماعيل.
ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى، ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان ، وعظمة التسليم.
{ وتركنا عليه في الآخرين }..فهو مذكور على توالي الأجيال والقرون. وهو أمة ، وهو أبو الأنبياء.
وهذا يدل على أنّ عاقبة الصبر على البلاء محمودة، وذلك أنّ إبراهيم عليه السلام لما ابتلاه الله تعالى بذبح ابنه، امتثل لأمر ربه، وصبر على بلائه، فجزاه الله تعالى أن فداه بذبح عظيم، وجعل له ذكراً عطرا وثناء مباركاً في الآخرين، ورزقه غلاما آخر من الصالحين.
هذا ما حدث وهذا ما ينبغي ان نفرح لاجله فنجاة اسماعيل عليه السلام سبب في ولادة نبينا علي السلام فهي نعمة علي هذه الامة.
اعاده الله علينا باليمن والبركات
تعليقات
إرسال تعليق